تلك الهمسة
تستمع هي الآن لوقع كعب حذائها العالي على بلاط صالة الإستقبال في المستشفى ، الوقع المنتظم لخطاها كان مموسقاً ، كأنَّما ينكشُ شيئاً نائماً في الروح ، تذكرت ذلك بوضوح الآن ، الخطى ذاتها للفتاة الممشوقة القوام ، الفتاة التي تترك شعرها الكستنائي فيه حمرة ينسابُ على الكتفين الأثيثين ، هل كانت تشدُ يدها اليمنى برباط أبيض ؟ تسير فتلتفت الانظار الى سمراء بعينين نرجسيتين دهشتين وضاحكتين من شيء ما ، الجسد المتمايل في الكوستم البيجي اللون قاطعةً المسافة بين الصيدلية في مدخل المستشفى الى قسم المختبر حيث تعمل ، تذهب وتنظر إليه ، يجفل قلبها حين تراه مقبلاً ، الرجل الوسيم بهذا الحزن الذي صار جزءاً من اطلالته ، يحيرها هاجس غريب ، هاجس غامض وتقول في نفسها :الحزن يليق به ! ، ثم تنتبه :وي ، الله يحميه من كل حزن ، لم يكن هو المنهمك في معرفة صنف الدم لأحد المرضى قد تنبه الى أنّها كانت تطيل النظرَ إليه ، يجهل أنّها كانت تتأمل طول قامته بعينين خبأت فيهما كل حنان العالم ، وإن قيمصه الأبيض بربطة عنقه النيلية على البنطال النيلي ستحطم آخر قلاعها : آه ما أجمله ! قلبها يقفز بنشوة طفل حين تكون بحضرته ، لم تكن متأكدةً حين سمعته يقول بنبرة هامسة كأنّها بوح عاشق وليست تعليقاً جميلاً على لباسها ، لكنها كانت متأكّدة إنها سمعتها ، لانّ قلبها أوشك أن يتوقف من فرح هائل ، كان قد همس لها : ما تلبسينه الآن سيوقف قلبي يا حنان ! لاتتذكر أن كانت قد جلست لحظتها أم ركضت لاتلوي على شيء ، أن وجود زملاء آخرين في غرفة المختبر قد الجم غربةً مجنونة في إحتضانه ، ومتى كان ذلك يا حنان ؟ في أي زمن من عمرٍ ينقضي كرمل تذروه الرياح ؟ أين هو في هذه المفازة التي يسمونها الحياة ؟ تسير الى غرفة المختبر ، مرت أعوام ، تضع الآن حجاباً يعطي شعرها الذي خالطه الشيب ، ينقبض قلبها حين ترى مكانيهما وهما يتهامسان بعد ذلك اليوم ، إختفى هو ، لم تعد تراه ، تشعربروحها كما الأرض العطشى ، متلهفة لماء كثير ، روحها التي شققها زمن قاس ، تشعر بها تجف وتذروها الرياح تماماً كسنين العمر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق